الجمعة، 17 أبريل 2009


مصطفي الرزاز
تلمست الطريق وحدى إلى عالم الرسم ..
- إحداث تفاعل ثقافي حقيقي، يتم عن طريق القوافل الثقافية واكتشاف أصحاب المواهب الخاصة.
(.. نشأ فى أسرة ميسورة الحال .. وعاش، مستقلا في حجرة كبيرة كان لها باب يفضي إلى الخارج، يخرج ويدخل منه، بجناحين كما قال: (أحلق بهما بمطلق الحرية.. ولا أستطيع التنفس إلا فى جو من الحرية، لهذا أيضا تملكنى الفن..، تلمست الطريق وحدى إلى عالم الرسم .. وذلك عن طريق القراءة والإطلاع فى المجلات الثقافية التى كانت تصدر فى نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات..)
- فى السنة الثانية بكلية التربية الفنية بالزمالك تعرف على الأستاذ سعد الخادم: من رواد الفنون التشكيلية الشعبية فى مصر ، وكان مهتما بالمخطوطات ذات الطابع التلقائي الخالي من التكلف والتصنع والحذلقة، ومنه اكتسب تلك النظرة ، حيث تامل ودرس مخطوطات دار الكتب المصرية ذات الطابع الشعبى ، ونقب فى النصوص التى لها علاقة بالفن أو الحرف الشعبية
لمدة عامين- فى ذلك الوقت كان كثير من الفنانين و المثقفين يذهبون فى رحلات إلى أسوان للرسم.. وفكر طلبة كلية التربية الفنية بزيارة منطقة النوبة .. ولأنه كان صعبا على ميزانية الكلية أن تتكفل برحلة كهذه ، فقد كانت الهدية الكبيرة من الأستاذ الكاتب يحيى حقى ، و الفنان الكبير سعد الخادم، أن تبرع كل منهما بألف جنيه مساهمة في(رحلة النوبة) (... وذهبنا على ظهر المركب " البركة " . و كأننا لأول مرة نستكشف الدنيا فى بكارتها الأولى.. هناك رسمنا الكثير من المشاهد وصورنا عشرات المناظر.. وكنت منفعلا بتلك الزيارة وما أن عدت من النوبة حتى انجزت عنها لوحة نالت جائزة من صالون القاهرة عبارة عن مبلغ نقدى قدره (ثلاثون جنيها) ، فى الوقت الذى كنت اتقاضى فيه جنيها واحدا فى الشهر (كمصروف السفر) إلى بلاد النوبة على ظهر (مراكب البوستة) ، وكنت أقوم بذلك حتى تم بناء السد العالىن وغرقت بلاد النوبة..)
حصل على الدكتوراة فى الفنون من جامعة نيويورك سنة 1979 ، بعد أن أتم دراسته الجامعية فى كلية التربية الفنية بالزمالك جامعة القاهرة .
مارس العمل الفنى من عام 1962 منذ أن كان طالبا وحصل على عدة جوائز فى صالون القاهرة ، وجمعية محبى الفنون الجميلة .
عام 1988 قام بتصميم النموذج الخاص بكليات التربية النوعية ، والتى عمل بها عميد لمدة تسعة سنوات متتالية ، وعلى يديه كانت هناك شبكة من كليات التربية النوعية على مستوى الجمهورية ، كانت تقوم بتخريج الطلبة المتخصصين فى مختلف أنواع الفنون فى : الموسيقى – الإعلام – الفنون .
شغل منصب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية ، والتى تأتى كواحدة من أهم ثلاث
مؤسسات ثقافية بمصر ، بعد أكاديمية الفنون التى تعد الكوادر التعليمية ، والمجلس الأعلى للثقافة الذى يهتم بثقافة النخبة .. ثم الهيئة العامة لقصور الثقافة التى تتولى تفعيل النشاط الثقافى فى جميع أنحاء مصر .
(.. كان كل همى أثناء وجودى على رأس الهيئة العامة لقصور الثقافة، هو إحداث تفاعل ثقافي حقيقي فى كل المجالات وفى جميع أنحاء مصر .. كان هذا هو دور المؤسسة ، ولم يكن علي إلا تنفيذه . فابتدعنا ظاهرتين:
أولهما القوافل الثقافية .. أى عملية تبادل لقاءات المثقفين فى الأقاليم خارج العاصمة، عن طريق ندوات الشعر، والقصة القصيرة، والنقد، والمعارض التشكيلية ، وفنون المسرح .
ثانيهما .. " دراماتورجى اكتشاف المواهب " .. وكان أشبه بمستكشف ، يسافر إلى القرى، والنجوع ليكتشف أصحاب المواهب الخاصة بها .. وعن طريق هؤلاء أصحاب المواهب الخاصة ، كانت تقام حفلات ضخمة يقدمون فيها وبشكل فطرى نتاجاتهم هذه دون تزويق ،ولا إضافات . ولازلت أذكر حتى هذه اللحظة تلك التجربة الفريدة فى شكلها وموضوعها فى (سجن النساء بالقناطر) .. حيث استطاع (الدراماتورجى) هذا أن يقيم علاقة انسانية خاصة معهن ، فيخرج بمئات القصص الإنسانية الحقيقية ، فقمنا بإنشاء مسرح كبير داخل فناء السجن ، كانت ستائره من (ملاءات الأسرة) التى كن ينمن عليها ، وتتجمع أكثر من ثلاثة آلاف سجينة حول خشبة المسرح ، يجلسن على الأرض وهن يبكين حكايتهن التى يشاهدنها على خشبة المسرح وتؤدي الأدوار فيها زميلاتهن.. أؤمن بأن للفن قوة السحر على إصلاح الناس، ويستطيع السيطرة على الأفئدة ، فقد أفلح فى السيطرة الأمنية على ثلاثة آلاف سجينة فيما
خشيت القوة الأمنية أن تحققه.. كل من التقينا بهم من أصحاب المهارات الخاصة فى القرى النائية البعيدة عن القاهرة ، كانوا يتمتعون بثقة كبيرة فى الذات .. اكتشفنا أن هذه طبيعة القوى البشرية القادرة على الإنتاج .. فالثقة فى الذات تنبع من القدرة على الخلق والابتكار، وبالتالى القدرة على الإنتاج، كما ان الاهتمام بثقافة الأقاليم ، جعلنا نكتشف نظرية التدوير الثقافى .. بمعنى أن لا يكون للثقافة اتجاه واحد ، ولكن لابد أن يخرج قادة النخبة في المناطق البعيدة، طرح ثقافى جديد، يعود بالنفع من هذه التجربة أيضا على الجميع.
كان أهم شىء فى المسألة التعليمية، هو ذلك التفاعل الحقيقى البناء و الإنسانى بين الطالب والأستاذ، كالتفاعل بيني وبين عملي، فأنا لم تبعدنى هموم العمل الأكاديمى ولا الإدارى عن كونى فنانا تشكيليا .. إذ أقيم معرضا سنويا باسم مصطفى الرزاز .. أما النظرة القديمة إلى الفنان والتى تصوره( يهيم ويشرد ويدخن البايب) وكأنه فى حالة من حالات الحلم الدائم ، هى نظرة قديمة . أو هى نظرة صورتها السينما وجعلتها ترسخ فى الأذهان .. الفنان عقل، والعمل الفنى لديه، يعني جزء كبيرا من التنظيم والتدريب، وبهذا الانشغال اليومى فى مسائل الفن النوعية يعيد الفنان تنظيم الأشياء داخل ذاته، لأنه يريد أن يعيش الحياة بشكل حقيقى .. وأن يعى تجاربه الحقيقية- أنا أصدق أن المهن تتوارث ، فهناك آلاف الأسر توارثت حرفها وصناعتها وقدراتها على الابداع، جيلا بعد جيل.. لكن أن تورث الموهبة ، فهذا كلام غير مقبول .. الموهبة نعمة من الخالق يمنحها لمن يستحق من البشر ، ولا يقدر أحد سواه سبحانه وتعالى على هذا .. والموهبة وحدها لا تكفي إذا لم يصقلها العمل الجاد الدؤوب و الدراسة المستمرة التى تخدمها، لكي نتواصل مع التطور وتعميق الشعور بحب الحياة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق